محمّد سامي... تذكّروا إنها من النهر إلى البحر | معرض رقميّ

للفنّان محمّد سامي قريقع

 

ارتقى شهيدًا يوم الثلاثاء، 17 تشرين الأوّل (أكتوبر)، الفنّان والمتطوّع محمّد سامي قريقع، في القصف الإسرائيليّ على «مستشفى المعمدانيّ» في غزّة. كان محمّد رسّامًا، ومصوّرًا، ومتطوّعًا في «مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ»، وقد استعمل فنّه في التعبير عن نفسه، وفي الترويح عن أطفال غزّة، الّذين تطوّع في مشاريع عدّة للعمل معهم والاعتناء بهم وتعليمهم.

في البداية، هُجِّرَ محمّد من منزله في حيّ الشجاعيّة، فراح ينظّم أنشطة وفعاليّات للأطفال النازحين في «المستشفى الأهليّ العربيّ المعمدانيّ». عن ذلك الوقت، يقول محمّد: "شاهدت العائلات وأطفالهم في حالة من الخوف والضغط النفسيّ... حاولت أن أخفّف عنهم هذا الخوف والذعر... محاولة إسعاف نفسيّ أوّليّ للأطفال والأهالي من خلال تهيئة مكان مخصّص وآمن للعب والترفيه... كلّنا نحاول لنصبح كلّنا بخير".

في نعيها لمحمّد، كتبت «مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ» على صفحتها في «فيسبوك»: "في «فيديو المطار»، يظهر محمّد وهو يزور مع مجموعة من الشباب بقايا «مطار غزّة الدوليّ»؛ يحلم برؤية فلسطين من الأعلى. يقول في الفيلم: "أنا نفسي أشوف المدينة من فوق". كيف ترى المدينة من فوق اليوم يا محمّد؟ الفنّان محمّد سامي قريقع، 24 عامًا، شكّل روح المرسم في «مؤسّسة تامر»، كان فاعلًا في كلّ مبادراتنا وكلّ خطواتنا وأنشطتنا، كان أوّل المتطوّعين، وآخر المغادرين."

وتضيف: "مشروع محمّد الفنّي هو ربط الفنّ بالتكنولوجيا وربط الفنّ الفلسطينيّ بـ (QR code) لحفظه من السرقات، وخاصّة سرقة الاحتلال الإسرائيليّ له. يهجّرك الاحتلال من منزلك في الشجاعيّة قبل خمسة أيّام، والآن يسرقك الاحتلال منّا بجريمته البشعة على «المستشفى الأهليّ المعمدانيّ» يا محمّد. يسرقك مع ما يزيد عن 500 روح معظمها من الأطفال. فقدناهم جميعًا والأسى يغلب على قدرتنا على التصديق. سنفتقدك هنا في «مؤسّسة تامر»، وفي الشجاعيّة، وفي المرسم. سيفتقدك الشباب زملاؤك، والأطفال والمدارس الّتي تطوّعت فيها. سنفتقد نحن كلّ الأطفال، لكنّنا نعلن أنّ ضحكاتك ورسوماتك وصوتك هنا بيننا، وأنّ روحك ترفرف عاليًا وتحرس غزّة وفلسطين من فوق، من حيثما تطلّ أنت الآن على المدينة، والوطن، والأطفال من حولك متحلّقين مبتسمين.., الأمان والحرّيّة والعدالة لكلّ أطفالنا وأهلنا في غزّة."

 

أسئلة ما قبل الموت

يوم 14 من تشرين الأوّل (أكتوبر)، كَتَبَ الفنّان الشهيد محمّد سامي رسالته الأخيرة لأصدقائه، عبر موقع «فيسبوك»، وفيها:

"مرحبا... أنا محمّد سامي قريقع ، ينادوني الناس محمّد سامي، أو أبو سامي، أو سامي... يوجد داخلي كلام كثير أريد قوله، يوجد داخلي فعلًا جنون للمشهد الّذي أعيشه حاليًّا، وحديث مهمّ في نقاط كثيرة.

منذ بداية هذه الحرب كنت أحاول أن  أغطّي الأحداث كلّها بشكل شخصيّ، لكي أحاول مشاركة العالم كلّه بالكثير من هذه الأسئلة؛ وبدأت بــ ما هو الوطن؟ ما هو الانتماء؟ ما هو البيت؟ ما هو السقف؟ ما هي الغرفة؟ ما هي العائلة؟ ما هو الصديق؟ ما هو الأمان؟ ما هو الخوف؟ ما هي الحرب؟ ما هو القصف؟

والأسئلة تكثر وتكبر بشكل كبير. اليوم هو اليوم الثاني من نزوحي خارج البيت، و[نحن] حاليًّا بـ «مستشفى الأهليّ العربيّ» المعروف بـ «المعمدانيّ»... اليوم، وبعيدًا عن عائلتي، أحمل مسؤوليّة نقل الأخبار والأحداث الّتي تحدث داخل المستشفى، التقطت مجموعة من التفاصيل المؤلمة بعدسة هاتفي ما بين الصورة والفيديو والصوت والكتابة والرسم... إلخ. أحاول قدر المستطاع إيصال أمانة هؤلاء الناس الموجودين داخل المستشفى. يوجد داخل المستشفى مئات العائلات الّتي تعرّضت للتهجير القسريّ من قبل الاحتلال الإسرائيليّ من مناطق مختلفة من شمال قطاع غزّة حتّى الجنوب، مئات العائلات يظنّون بأنّ هذا المستشفى مكان آمن للجميع، وهو مفتوح لاستقبال المدنيّين النازحين من هذه المناطق، بعد أن انقطعت بهم السبل للبحث عن الأمان، وعدم تعرّض حياتهم للخطر... قمت بتصوير فيديوهات كثيرة لتفاصيل المباني الموجودة داخل المستشفى، والكنيسة، والصليب، والأشجار، والأطبّاء، والنازحين، والأطفال، والشيوخ. أصبحت محاولتي ناجحة بأن أكون شخصًا مؤثّرًا في حياة الناس، وواضحة جدًّا في نقل هذه الصور والأخبار بشكل شخصّي وبدون دعم خارجيّ. اليوم أنا أجمع الكثير من هذه القصص بتقنيّات مختلفة، اليوم أصبحت أنا الصحافيّ الّذي أنقل لهم صورة العالم الخارجيّ، اليوم أشكّل صداقات جديدة مع الجميع، وأشكّل حوارًا كبيرًا جدًّا ومثمرًا. اليوم أنا أحمل مسؤوليّة الرسالة الداخليّة والخارجيّة عن هؤلاء الأبرياء. اليوم أحاول أن أطمئن هذه العائلات قدر المستطاع، وأخبرهم بأنّ هذا المكان آمن... ولكن... قبل قليل تعرّض هذا المكان لهجمة همجيّة من قبل الاحتلال الإسرائيليّ، وهي ضرب أحد المباني الخاصّة بالمستشفى بشيء أشبه بصاروخ يصدر صوتًا مخيفًا ومرعبًا جدًّا في واجهته، الّتي يجلس وينام تحتها هؤلاء المدنيّون، ما أدّى الى إصابة متوسّطة لطفل صغير، ليس له أيّ ذنب وهو في حضن والدته وبين الناس. حاول الناس الهروب من البوّابة والتوجّه نحو الشارع المجهول المظلم، ولكن حاولت قدر المستطاع أنا وكلّ مَنْ يعمل في هذه المستشفى، أن نخفّف توتّر وقلق العائلات، وأن نخبرهم بأنّه شيء صغير لا يؤذي، ولكنّ صوته كبير، وبمناشدات عالية تمّ إخلاء المنطقة المستهدفة ونقلهم إلى مكان مجاور أكثر أمنًا. وعاود مرّة أخرى لفعل هذا الشيء، ورجعنا مرّة أخرى نخبر العائلات نفس الشيء,

هناك الكثير من الأسئلة أطرحها هنا: هذا مستشفى مدنيّ يحتضن المدنيّين النازحين؛ لماذا فعلوا بهم هذا الشيء؟ ماذا فعل لهم هذا الطفل النازح من قصف بيته إلى قصفه في المستشفى؟ هذا المستشفى مكان أثريّ وتاريخيّ؛ لماذا فعلوا به هكذا؟ هذا المستشفى تشرف عليه دول كبيرة مثل بريطانيا وغيرها، ما هي الخطوة الّتي سيأخذونها تجاه هذا الفعل؟ والسؤال الأهمّ؛ هل ستُعاد هذه الحادثة؟ هل سيصبح هذا المكان غير آمن؟ شاركوا هذه المنشور وحاولوا إيصاله للدول الأوروبّيّة، وإلى بريطانيا بالأخصّ قبل الدول العربيّة، لأنّ ردّهم أصبح واضحًا تجاهنا للتحرّك الفوريّ قبل فوات الأوان… حاولوا ترجمة هذه الرسالة الإنسانيّة، وسأحاول نقل الصورة من جديد".

بعد يومٍ من رسالته هذه، كتب محمّد مرّة أخرى عبر حسابه على «فيسبوك»: "إذا صار إلنا اشي، تذكّروا إنها من النهر إلى البحر". وبعد يومين، في تاريخ 17 من تشرين الأوّل (أكتوبر)، قصفت إسرائيل «مسشتفى المعمدانيّ»، فكانت الصواريخ الإجابة على أسئلة محمّد الكثيرة، والموت الّذي طال أرواح أكثر من 500 فلسطينيّ، الكثير منهم من الأطفال الّذين كان محمّد يلاعبهم ليخفّف عنهم ويلهيهم عن الموت الّذي أحاط عالمهم مبكّرًا.

 

في هذا المعرض الرقميّ الّذي تنشر فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، نتذكّر محمّد الفنّان، في محاولة لتخليد أعماله الفنّيّة، مع سرديّة استشهاده الّتي كتبها ووثّق لحظاتها الأخيرة في رسالته الأخيرة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

محمّد سامي قريقع

 

 

 

الفنّان الشهيد محمّد سامي قريقع، استُشهِدَ في القصف الإسرائيليّ على «مستشفى المعمدانيّ» بتاريخ 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023. فنّان ومتطوّع وناشط في «مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ».